Ayman Zohry, PhD.
Expert on Migration Studies


قراءة في الخارطة الديموغرافية للناخبين المصريين


د. أيمن زهري

خبير السكان ودراسات الهجرة

23 نوفمبر 2011

ينشغل المحللون في هذه الأيام بقراءة خارطة المرشحين للإنتخابات البرلمانية والتيارات السياسية المتنافسة في تلك الإنتخابات دونما التدقيق في خارطة الناخبين، حيث يتم التعامل معهم ككتلة واحدة تمثل قرابة 50 مليون ناخب. أحاول في هذا المقال قراءة الخارطة الديموغرافية – السكانية – للناخبين المصريين الذين سيحددون شكل البرلمان القادم والذي بدوره سيحدد طبيعة الدولة المصرية في المرحلة القادمة ويرسم توجهاتها المستقبلية.

طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يقدر عدد سكان مصر بحوالي 81 مليون نسمة وقد ذكر الجهاز أن عدد المصريين اللذين لهم حق التصويت في الانتخابات يبلغ حوالي 50 مليون ناخب موزعين على 53 ألف لجنة فرعية. وحيث أنه يوجد حوالي 7 ملايين مصري بالخارج وعلى الرغم من حقهم في التصويت إلا أن عدد المسجلين بالسفارات والقنصليات المصرية بالخارج لم يتجاوز ربع مليون، وعلى ذلك فإن عدد المصريين بالخارج الذين سوف يشاركون في الإنتخابات من خارج الوطن سوف يكون أقل بكثير من هذا العدد نظرا لأن التسجيل للإنتخاب يتم في غالبه ألكترونيا بينما يتطلب التصويت توجه الراغبين في المشاركة الى لجان الإقتراع بالسفارات والقنصليات المصرية وهو ما لن يكون متيسرا لكافة من قاموا بالتسجيل، وعليه فإنه من الممكن أن نتوقع غياب حوالي 6 مليون مصري عن التصويت وهو ما يخفض عدد الناخبين المحتملين داخل الوطن من 50 مليون الى 44 مليون فقط.

وإذا إفترضنا جدلا أن نسبة التصويت قد تصل الى 60 بالمائة من إجمالي المواطنين الذين يحق لهم التصويت، 20 بالمائة أقل من نسبة التصويت على التعديلات الدستورية في مارس الماضي، نظرا لتعقيد النظام الإنتخابي بين القوائم والفردي وعزوف بعض الناخبين عن الذهاب للتصويت لعدم قدرتهم على إختيار المرشحين في ظل وجود قوائم إنتخابية على النظام الفردي تحتوي على أكثر من مائة مرشح وعدم معرفة بعض المواطنين بالأحزاب الجديدة – وربما القديمة أيضا – في نظام القوائم. إذا قبلنا فرضية الـ 60 بالمائة هذه فإننا سنكون أمام حوالي 26.5 مليون ناخب موزعين على 53 ألف لجنة إنتخابية بمتوسط عام قدره 500 ناخب تقريبا.

بعد أن ظهرت تيارات الإسلام السياسي على السطح بعد ثورة 25 يناير، يخيم على المجتمع إحساس عام أننا، شئنا أم أبينا، ننساق بوعي، أو ربما بدون وعي، نحو سيطرة تلك التيارات على الساحة السياسية وأن مصر ربما تتحول الى أفغانستان أو إيران أو ربما تصبح في أحسن الأحوال ولاية بدوية خليجية تعيش خارج العصر. ويتمادى البعض الى إعتبار أن المعركة الإنتخابية الحالية ربما تكون الأخيرة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر بعد أن ينتقلب الإسلاميون – في حال فوزهم – على أبسط مبادئ الديموقراطية من الدستور الى الإنتخابات مرورا بحق "العامة" في إختيار حكامهم وقصر هذا الحق على "جماعة الحل والعقد" ورجال الدين.

يعزز الطرح السابق من مشاعر اليأس والإحباط بين مؤيدي الدولة "غير الدينية" في مصر، إلا أن المعطيات الديموغرافية والتركيبة السكانية والفئوية للناخبين تناقض تلك الحقيقة، كما أن إفتراض جهل الناخب المصري وإنسياقه وراء جماعات الإسلام السياسي التي تخيرهم بين جنتهم ونار الليبراليين والعلمانيين "الكفار" الذين، إن حكموا فسوف ينشرون اللواط والسحاق والشذوذ الجنسي والبيكيني بين المصريين، تصور فوقي يحتوى على نظرة دونية لهذا الشعب.

أعود مرة أخرى الى خارطة الناخبين، وحيث أن أقباط مصر يقدر عددهم بحوالي 8 مليون نسمة، أي ما يعادل 10 بالمائة من السكان وبإستبعاد من هم أقل من سن التصويت في الإنتخابات وتطبيق نسبة الـ 60 بالمائة سالفة الذكر فإنه من المتوقع أن يشارك حوالي 2.65 مليون قبطي سوف تذهب الغالبية العظمى من أصواتهم – إن لم تكن كلها – لمرشحين من غير أحزاب التيار الإسلامي. أضف الى ذلك أصحاب المصالح والفئات التي تعتقد أن أعمالها وأرزاقها قد تتأثر بفوز التيارات الإسلامية بأغلبية مريحة في تلك الإنتخابات مثل العاملين في قطاع السياحة والأعمال المرتبطة بالفنون عامة مثل السينما والثقافة والإنتاج الفني والإبداعي وأصحاب المقاهي. ويقدر عدد العاملين في قطاع السياحة وأسرهم بما لا يقل عن 6 ملايين مواطن، بالإضافة الى العاملين بالأنشطة الفنية والإبداعية والذين لا يقل عددهم – وأسرهم – بأي حال من الأحوال عن عدد العاملين في قطاع السياحة ليصل العدد الإجمالي الى 12 مليون مواطن يمثلون كتلة تصويتية قوامها 3.93 مليون نسمة.

يتواكب مع كل ذلك سيطرة عائلات الصعيد على المشهد الإنتخابي، سواء بالدفع بمرشحين جدد يعتمدون على أصوات عائلاتهم، أو بمرشحين ممن كانوا على علاقة بالحزب الوطني المنحل يخوضون المعركة الإنتخابية مدعومين بنفوذ عائلاتهم أيضا. ولا تقل هذه الكتلة التصويتية في صعيد مصر وفي بعض محافظات الدلتا، خاصة محافظة الشرقية، ومحافظات القناة وبعض محافظات الحدود عن 5 ملايين ناخب من إجمالي الناخبين المحتملين.

يضاف الى ما سبق، الناخبون التقليديون المرتبطون بالأحزاب القديمة، خاصة حزبي الوفد والتجمع والناخبين الذين إعتادوا أن ينتخبوا مرشحي الحزب الوطني والذين يمكن أن نسميهم مجازا فلول الناخبين والذين يناصبون تلك التيارات الإسلامية العداء الذي ورثوه من توجهات النظام السابق. وأتوقع أن يقوم هؤلاء بالتصويت السلبي الذي يصب في مصلحة التيارات غير الإسلامية، ويقدر عددهم بحوالي 3 مليون ناخب.

تمثل الفئات السابقة كتلة تصويتية تقدر بـحوالي 15 مليون صوت، أو ما يعادل 55 بالمائة من إجمالي الأصوات، ويبقى قرابة 45 بالمائة من الأصوات والتي تمثل الحد الأقصى لإجمالي الأصوات التي يمكن أن تحصدها جماعات الإسلام السياسي، ويبقى الرهان الأكبر على أصوات شباب الثورة وتحركات الأحزاب الليبرالية الجديدة التي يمكن أن تغير قواعد اللعبة.

 

Homepage Index


P.O. Box 30 - El-Malek El-Saleh (11559) - Cairo - Egypt

e-mail: