Ayman Zohry, PhD.
Expert on Migration Studies


بعد أن آل لكم ملك مصر ... ماذا أنتم فاعلون؟


د. أيمن زهري

خبير السكان ودراسات الهجرة

6 ديسمبر 2011

 

أما وقد آل لكم ملك مصر أو قاربت ثمار ثورتها أن تسقط في حجركم، ماذا أنتم فاعلون؟ تطبقون الشريعة؟ تحجبون السافرة وتنقبون المحجبة؟ وتغلقون الخمارات والبارات والشواطئ وتحرمون المايوهات؟ وتمنعون التدخين في المقاهي والأماكن العامة وتطلقون جماعاتكم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ تحولون البنوك الربوية الى بنوك إسلامية؟ تمنعون الإختلاط في الأماكن العامة وفي وسائل المواصلات؟ تغلقون السينمات والمسارح والملاهي؟ تصادرون جل نتاج العقل المصري من الكتب والإفلام؟ تلغون حفلات الغناء البريء وغير البريء وتحولون القنوات العامة الى قنوات دينية؟ تحطمون التماثيل أو تغطونها خشية أن نعبدها من دون الله تعالى؟

 

تستطيعون أن تفعلوا كل ذلك بدون بنود إضافية في ميزانية الدولة وفي فترة زمنية وجيزة لأن كل ما ذكرته سابقا يمكن ان يُفرض على الشعب الذي إختاركم، وحيث أنكم حصدتم غالبية الأصوات فلن يعترض أحد على كل ذلك لأنه يصب بالتأكيد في ميزان حسناتهم فيضيفوا الى الحسنات التي حصدوها بإنتخابكم حسنات أخرى يتقربون بها الى الله عز وجل ويداوون بها إحساس الخطيئة والتقصير في حق الله، ذلك الإحساس الذي يصاحب المصريين دائما ويدفعهم الى الإكثار من العبادات، والتي من أسف لا تنعكس غالبا على جانب المعاملات.

 

 

بعد تلك الفترة التي ستواجهون خلالها مقاومة ضعيفة من التيارات التي تدعو لمدنية الدولة من العلمانيين والليبراليين والماركسيين والشيوعيين و"الملاحدة" ومن ساروا على نهجهم و"ضلوا سواء السبيل،" فأعينهم الآن مكسورة من نتائج الإنتخابات لأنه لم يكن لديهم جنة يعدون الناس بها مثلكم، أضف الى ذلك أن المتحولين وراكبي الموجة من قدامى المفكرين والإعلاميين من المؤكد أنهم سيكونوا في صفكم، وإن كان لمبارك "سرايا" فسوف يكون لكم ألف "سرايا" ليس طمعا – فقط – في متاع الدنيا الزائل، ولكن أيضا طمعا في ثواب الآخرة، بعد تلك الفترة القصيرة الممتزجة بنشوة النصر وغرور القوة وإمتلاك الشارع، ماذا أنتم فاعلون؟

 

تذكروا أن الشعب المصري لم يثر على مبارك لأنه كان يضيق عليكم ولا لأنه كان يقدمكم للمحاكمات العسكرية ولا لأنه كان يعذبكم ويقتلكم في سجونه، ولا لأنه لم يكن يطبق الحدود – في مفهومها الضيق – ولا لأن نظامه كان يضيق على المحجبات ولا لأن زوجته وزوجتي ولديه لم يكن محجبات أو منقبات، ولا لأنه لم يغلق الملاهي والمراقص أو يمنع نزول السيدات المصريات والأجانب لحمامات السباحة والشواطئ بالمايوه البيكيني ولا لأنه لم يمنع الإختلاط في الجامعات والمواصلات العامة ولا لأن وزير إعلامه السابق أغلق قناة الناس وبعض القنوات الدينية الأخرى ولا لأنه لم يمنع قنوات الغناء والرقص، ولا لأنه لم يمنع فيلما سينمائيا أو رواية أو عمل فني أو أدبي قد يراه البعض صادما لأعراف المجتمع أو معتقداته الدينية.

 

لم يثر المجتمع المصري لأي من الأسباب السالف ذكرها، لقد كان شعار الثورة المصرية "خبز .. حرية .. عدالة إجتماعية" إنها في الأساس مشكلات إقتصادية. لقد كان المتظاهرون في العديد من المظاهرات التي مهدت للثورة شعارا كبيرا هو "عاوز أشتغل يا كبير" قريبا سوف يرفعون نفس الشعار في وجوهكم "عاوز أشتغل يا شيخ" ماذا ستفعلون لحل مشكلة البطالة؟ من المؤكد أنكم سوف تستدعون رجال أعمالكم للقيام بمشروعات لفتح أسواق عمل وربما تساعدكم دول الخليج بمنح المصريين معاملة تفضيلية في مجال العمل بتلك الدول أو ربما يساعدونكم بضخ إستثمارات لمساعدة الإقتصاد المصري وخلق فرص عمل، ربما. ولكن كم يستغرق ذلك من الوقت حتى ينخفض معدل البطالة الى حدود مقبولة؟ وما هو الثمن الذي ستدفعونه لدول الخليج مقابل ذلك؟ ماذا أنتم فاعلون بالميراث الثقيل الذي ورثتموه والمتمثل في منتج تعليمي رديء لا يستطيع المنافسة في سوق العمل من الأساس؟ ما هي خططكم لإعادة تأهيل العمالة ومن أين ستستطيعون تمويل تلك الخطط؟

 

إذا حولتم مصر الى نموذج سعودي سوف تتوقف السياحة بالتأكيد، فهم لديهم الحرمين ونحن لدينا الهرمين، لن يحج إلينا أحد! كيف ستعالجون المشكلات المترتبة على تسريح تلك الملايين من القوى العاملة في مجال السياحة؟ ما هي خططكم لتدريبهم تدريبا تحويليا وإستيعابهم في قطاعات أخرى إن كنتم عازمين على تسريحهم؟ إن لم تحلوا مشكلاتهم سوف يكونوا أول قنبلة موقوتة تنفجر في وجوهكم، وكما يقول المثل الشعبي المصري "عض قلبي ولا تعض رغيفي."

 

ماذا أنتم فاعلون في قطاعات السينما والمسرح والفنون الشعبية والموسيقى والغناء وغيرها من القطاعات الفنية؟ ماذا أنتم فاعلون في مطاعم الوجبات السريعة التي يذهب جزء من ربحها "للكفار" وتحمل أسماء أجنبية و"تساعد إسرائيل،" كيف ستستوعبون هؤلاء في المجتمع؟ وهل تقبلوا توبة هؤلاء العاملين في المجال الفني، إن كنتم تعتبرونهم عصاة؟ أو هؤلاء الذين ساعدوا إسرائيل في قتل أبناء غزة عن طريق بيعهم ساندويتشات "الكنتوك" أو قهوة ستاربوكس؟

 

هذه فقط مجرد أمثلة حياتية مباشرة تتقاطع مع الإحتياجات الأساسية والعاجلة للمصريين، ولا أتحدث بالطبع عن التطلعات ولا الطموحات المستقبلية. هناك العديد من الملفات الأخرى الأكثر تعقيدا مثل البنوك والنظام الإقتصادي وقضايا التعليم والتدريب والعلاقات الخارجية وتصدير الغاز لسرائيل وعلاقة النظام بكل من أمريكا وإيران وحزب الله وحماس وتركيا وغيرها من الملفات التي لا يتسع المجال هنا للخوض فيها.

 

شعب مصر شعب طيب ومتعبد بطبعه ولديه إحساس دائم بالتقصير تجاه ربه، قد يدفعه في بعض الأحيان الي التضحية بمصالحه الدنيوية في سبيل آخرته، لكنه شعب عنيد وطويل البال وقد لا يستسلم للسلطة الدينية في سبيل الآخرة إذا لم يتم حل مشاكله. إخوتي في الوطن، أنتم في مأزق لا تحسدون عليه "الشعب يريد" والشارع الذي يغلي بالمطالب الحياتية الملحة لا يستطيع أن ينتظر المدد الإلهي طويلا، إنه يريد حلولا عاجلة لمشكلات حياتية ضاغطة متراكمة لعقود خلت، ربما لم تشاركوا في صنعها ولكنكم مطالبين بإيجاد حلول عاجلة لها، لا تعولوا على الجنة، الشعب يريد "الجنة الآن."

موضوعات أخري:
ق
راءة في الخارطة الديموغرافية للناخبين المصريين 23 نوفمبر 2011

أثر الثورات العربية على العمالة المصرية 16 أكتوبر 2011

 

 

Homepage Index


P.O. Box 30 - El-Malek El-Saleh (11559) - Cairo - Egypt

e-mail: